مرض الغيبة - العلاج والوقاية

عدد المساهمات : 425 تاريخ التسجيل : 21/12/2009

الغيبـة :

قال تعالى { ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} (الحجرات- 12) ، وقـال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " ، وقال صلّىاللّه عليه وسلّم "لا تحاسدوا ، ولا تباغضـوا ، ولا تفاحشوا ، ولا تدابروا ، ولا يغتب بعضكم بعضا ، وكونوا عباد الله إخوانا " ، وقال صلّىاللّه عليه وسلّم " إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنى ، فأن الرجل يزني ويتوب فيتوب الله سبحانه عليه ، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه "، وقال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم مررت ليلة أسرى بي على أقوام يخمشون وجوههم بأظافيرهم فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء الذين يغتابون الناس ويقعـون في أعراضهم " 0وقال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم في خطبته حتى أسمع العواتق في بيوتهن فقال " يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته " وأوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام " من مات تائبا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ، ومن مات مصرا عليها فهو أول من يدخل النار "0 وقال تعــالى {ويل لكل همزة لمزة }(الهمزة-1) الهمزة : الطعان في الناس 0 واللمزة : الذي يأكل لحوم الناس 0 وقال قتاده : ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاث أثلاث : ثلث من الغيبة 0 وثلث من النميمة 0 وثلث من البول 0 وقال السلف الصالح : لا نرى العبادة في الصوم والصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس 0 وقال بن عباس " إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك فاذكر عيوبك 0 وقال مالك بن دينار : مر عيسى عليه السلام ومعه الحواريون بجيفة كلب فقال الحواريون : ما أنتن ريح هذا الكلب 0 فقال عيسى عليه السلام 0 بل ما أشد بياض أسنانه فكأنه عليه السلام نهاهم عن غيبة الكلب ونبههم على أنه لا يجب ذكر شئ من خلق الله إلا أحسنه 00 وقال عمر رضى الله عنه :عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء 0

بيان معاني الغيبة وحدودها :

حد الغيبة هو أن تذكر أخاك بما يكرهه ولو بلغه 0 سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه حتى في ثوبه وداره ودابته 0

فأما البــدن : فذكرك العمش ، والحـول ، والقرع ، والقصـر، والطول ، والســـواد ، وغيره 0

وأما النسب : بأن تقول: أبوه قبطي ، أو هندي ، أو فاسق ، أو خسيس ، أو إسكافي ، أو زبال ، وغيره0

وأما الخلق : فبأن تقول: هو سيئ الأخلاق ، بخيل ، متكبر، عاجز ، ضعيف ، متهور ، وما يجرى مجراه0

وأما الديـن : مثل قولك سارق ، كذاب ، خائن، ظالم ، متهاون بالصلاة ، والزكاة ، ولا يحسن الركوع ، أو لا يحترز من النجاسات ، أو ليس بارا بوالديه 0

وأما الدنيا : فقولك أنه قليل الأدب ، متهاون بالناس ولا يعرف حق الناس ، وكثير الكلام 0 وأما ثوبه : مثل واسع الكم ، طويل الذيل ، وسخ الثياب 0

وقال قوم أنه لاغيبة في الدين لأنه ذم ما ذمه الله تعالى ودليلهم: قول الناس للرسول عليه الصلاة والسلام على كثرة صلاح امرأة وصومها ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها فقال هي في النار 00 ولكن قولهم هذا خطأ لأن الناس كانوا يذكرون ذلك بنية سؤال رسول الله ومعرفة الأحكام منه ولم يكن غرضهم التنقيص من شأن امرأة بعينها 0 فالغيبة هي ذكرك أخاك بما يكرهه لو سمعه فإن كان به ما تقول فعلا فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته والإفك هو أن تقول ما بلغك 0 وقالت عائشة رضى الله عنها : لا يغتابن أحدكم أحدا ، فإني قلت لامرأة مرة وأنا عند رسول الله إن هذه لطويلة الذيل فقال لي " الفظي الفظي " فلفظت مضغة لحم 0

بيان أن الغيبة لا تقتصر على اللسان:

إن الغيبة تكون بالذكر باللسان أو التعرض به أو بالفعل كالإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة 00 وكل ما يمكن للطرف الآخر أن يفهم منه العيب المراد الموجود في المغتاب ، وكل هذا حرام0 قالت عائشة رضى الله عنها : دخلت علينا امرأة ، فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة ، فقال عليه السلام " اغتبتها " ، ومن الإشارات التي تدخل في الغيبة أيضا المحاكاة كتقليد شخص في مشيته مثلا متعرجا أو كما يمشى وهو أشد وأعظم 0 والغيبة هي التعرض لشخص معين إما حي أو ميت 0 ومن الأفضل إذا أراد الإنسان ذكر صفة على سبيل التعلم منها فليقل بالعموم دون أن يفهم من أمامه أو من يسمع أنه يقصد شخصا بعينه 0 فقد كان الرسول صلّىاللّه عليه وسلّم يقول " ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا " أما إذا تكلمت بدون ذكرالإسم والصفة صراحة ولكن بطريقة يفهم منها المستمع من هو الشخص المقصود بالكلام كانت غيبة 0

وأخبث أنواع الغيبة التي تقترن بالرياء ، فيكون قصد الشخص تفهيم غيره عيب الغير فيذكر بصيغة الدعاء فيقول مثلا نعوذ بالله من قلة الحياء نسأل الله أن يعصمنا منها 0وأن يقول الحمد لله الذي لم يبتلينا بالخضوع للسلطان والتبذل في حب الحطام 0 وكذلك من يقدم مدح من يريد غيبته فيقول ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ولكن قد اعتراه فتور وابتلى بما نبتلى به كلنا من قلة الصبر ، فهو يذكر نفسه ولكن مقصوده ذم غيره وهو هنا يمدح نفسه بالتشبه بالصالحين بذم نفسه فيكون مغتابا ومرائيا ومزكيا نفسه وهى ثلاث فواحش 0 ولذلك يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعبادة من غير علم 0 فيقول المؤمن مثلا :ساءنى ما جرى على صديقنا من الإستخفاف به نسأل الله أن يروح نفسه ، فهو هنا كاذبا في إظهار الدعاء له والاغتمام عليه ، فهو لو كان صادقا لدعا له في خلوته عقب صلاته ، وكذلك الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب ، فالمستمع بإظهاره التعجب يزداد المغتاب في الغيبة وكأنه يستخرج منه الغيبة بهذه الطريقة ، فيقول مثلا :عجبا ما علمت أنه كذلك وما عرفته إلا بالخير فالسامع شريك المغتاب ولا يخرج من إثم الغيبة إلا أن ينكر بلسانه ، أو بقلبه -إن خاف- ، ويستطيع أن يقوم أو يقطع الكلام بكلام آخر ، وإذا قال اسكت لابد أن يكون ذلك بقلبه أيضا ، لأنه لو قال اسكت وهو متمنيا استمرار صاحبه فهو منافق 0 قال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم " من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة "0

بيان الأسباب الباعثة على الغيبة:

لكي نعالج أى خطأ لا بد من معرفة أسبابه أولا، والأسباب أو البواعث على الغيبة كثيرة منها:

1 - أن يشفى الغيظ 0 فيسبق اللسان إليه بالطبع وذلك في الحال عند الغضب ، وقد يمتنع الغيظ فيخنق الغضب في الباطن فيصير حقدا ثابتا فيكون سببا دائما لذكر المساوئ ، أى أن الغضب والحقد من البواعث العظيمة للغيبة 0

2 - مجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام حيث يرى أنه لو قطع عليهم مجلسهم وتفكههم بأعراض أخيهم استثقلوه ونفروا عنه فيساعدهم ويرى ذلك من حسن مجاملة الصحبة وقد يفرح لفرحهم ويغضب لغضبهم مساهمة في السراء والضراء فيخوض معهم في الباطل 0

3 - أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه عليه أو يشهد عليه بشهادة فيبادر هو ويذكر مساوئه ليقطع عليه غرضه 0 ويقول في الأول صفات يكون صادقا فيها ثم يروج بعد ذلك بالكذب ويقول ليس من عادتي الكذب فقد أخبرتكم بكذا وكذا فكان كما قلت 0

4 - عندما يريد أن يبرئ نفسه من فعل ما فيذكر الذي فعله وكان يمكن أن يبرئ نفسه ولا يذكر الذي فعل0

5 - إرادة التصنع والمباهاه 0 بأن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف وغرضه هو رفع نفسه وتوضيح أنه أعلم منه 0

6 - الحسد 0 فهو ربما يحسد من يثنى الناس عليه ويحبونه فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلا إلا بذمه وهذا عين الحسد وقد يكون ذلك مع الصديق المحسن 0

7 - اللعب والهزل والمطايبة وتمضية الوقت بالضحك فيذكر عيوب غيره بما يضحك الناس على سبيل المحاكاة بسبب التكبر والعجب 0

8 - السخرية والإستهزاء استحقارا له ويكون ذلك في حضوره أو في غيبته، وهناك أسباب أخرى يتعرض لها أهل الدين خاصة حيث يزينها الشيطان لهم بحيث يكون ظاهرها خيرا ولكنها تخبئ الشر تحتها وهى :

- أولها :أن تنبعث من منطلق التعجب إنكار المنكر والخطأ في الدين فيقول ما أعجب ما رأيت من فلان فكان من الأصح أن يتعجب ولا يذكر إسم الشخص 0فمن الغيبة أن تقول : تعجبت من فلان كيف يحب جاريته وهى قبيحة ، وكيف يجلس مع فلان وهو جاهل 0

- ثانيها :الرحمة 0 فيقول مثلا مسكين فلان قد غمني ما ابتلى به 0 ويلهيه هذا الغم فيذكر إسمه ويبطل ثواب اغتمامه وترحمه عليه 0

- ثالثها : أن يغضب على منكر قارفه إنسان فيظهر غضبه ويذكر إسمه 0

بيان العلاج الذي يمنع اللسان عن الغيبة:

عرفنا سابقا أن مساوئ الأخلاق كلها تعالج بمعجون العلم والعمل ، ولكي يعالج الإنسان هذا الخلق السيئ وهو الغيبة يجب عليه أن يعلم أولا أنه بسلوكه هذا وهو الغيبة يتعرض لسخط الله تعالى ، وتحبط حسناته يوم القيامة ، حيث تنتقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه ، فان لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات المغتاب ، وهو مشبه عند الله تعالى بأكل الميتة ، وربما تتساوى كفتى حسناته وسيئاته فتأتى سيئة الغيبة فتجعل كفة السيئات ترجح فيدخل بها النار ، فضلا عن نقص ثواب أعماله 0 فالغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ، فمهما وجد الإنسان من عيب في غيره فيجب أن ينشغل بعيب نفسه أولا 0 وإذا كان العيب خلقيا فإنه ذم للخالق 0 ويجب أن يعلم أن غيره سوف يتألم بغيبته كما يتألم هو إذا اغتابه أحد 0 ويعلـم أن الغيبة من المذمومات التي نهى الله عنــها ، وفعلها إنما هو اجتراء على الله ، وعصيان ، وعدم اجتناب لنواهيه - معاذ الله 0 هذا عموما وأما على الخصوص : فعلى الإنسان أن يحضر السبب أمام عينه ويعمل ضده 0 فمثلا الغضب : فليتذكر الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس 0 ولا يشفى غيظه بمعصية الله، قال صلّىاللّه عليه وسلّم "من كظم غيظا وهو يقدر على أن يمضيه دعاه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور يشاء " 0

وأما موافقة ومجاملة الأقران : فبأن تعلم أن الله تعالى يغضب عليك إذا طلبت سخطه برضاء المخلوقين ، فكيف ترضى لنفسك رضا الناس وعدم رضا الخالق المولى العظيم 0 وأما تنزيه النفس : فبأن تعرف أن التعرض لمقت الخالق أشد من التعرض للمخلوقين وأنت بالغيبة متعرض لسخط الله يقينا ولا تدرى ستتخلص من سخط الناس أم لا ، فتخلص نفسك في الدنيا بالوهم وتهلك في الآخرة وتخسر حسناتك بالحقيقة 0 وأما تبرؤك من الشيء بذكر غيرك : فهذا جهل لأنك تعتذر بالإقتداء بمن لا يجوز الإقتداء به ، فإن من خالف أمر الله لا يجوز الإقتداء به ، ولو دخل غيرك النار وأنت تستطيع ألا تدخلها 00 فلما توافقه إذا 00 فأنت بهذا جاهل وغبي وزودت المعصية0 وأما قصدك المباهاه وتزكية النفس : بأن تنقص من شأن غيرك ، فينبغي أن تعلم أنك بما ذكرته به أبطلت فضلك عند الله واعتقاد الناس أنك فاضل ليس له فائدة ، لأن اعتقادهم هذا سوف ينقص إذا عرفوا حقيقتك فتكون قد بعت ما عند الخالق يقينا بما عند المخلوقين وهما وهم لا يغنون عنك من الله شيئا 0

وأما الحسد : فأنت جمعت بين عذابين فأنت معذب بالحسد في الدنيا ومعذب بالذنب في الآخرة ، فتكون قد خسرت نفسك في الدنيا وتكون قد أصبت نفسك بينما أهديت حسناتك إلى محسودك ، أي أنك صديقه وعدو نفسك، حيث لن تضره غيبتك بينما تضرك أنت ، فأنت إما ستنقل إليه حسناتك ، وإما ستنقل إليك سيئاته ، فتكون قد جمعت بين خبث الحسد ، وجهل الحماقة 0 وأما الاستهزاء : فيكون مقصودك إخزاء غيرك عند الناس بإخزاء نفسك عند الله تعالى والملائكة والنبيين 0 فلو فكرت في حسرتك وخجلك وخزيك يوم القيامة حيث تحمل وقتها سيئات من استهزأت به وتساق إلى النار لأدهشك ذلك وشغلك عن إخزاء صاحبك 0 ولو عرفت حالك لكنت أولى أن تضحك من نفسك فانك سخرت منه أمام نفر قليل من الناس وعرضت نفسك للخزي أمام ملأ الناس يوم القيامة وأما الرحمة له على إثمه فهو حسن ولكن تعرضت لحسد إبليس وإضلاله لك بأن جعلك تفعل الفعل الذي به تنقل إليه حسناتك فيحبط أجرك وأصبحت أنت المستحق للرحمة والغضب لله تعالى لا يوجب الغيبة فبدل أن يكون لك أجر بهذا الغضب والغيرة على دينك أصبحت معرضا لمقت الله عز وجل وأما التعجب إذا أخرجك الى الغيبة فتعجب من نفسك أنت كيف أهلكت نفسك بغيرك وأنت لن تأمن عقوبة الدنيا وهو أن يهتك الله سرك كما هتكت بالتعجب ستر أخيك 0

وبذلك يتم علاج جميع الأسباب بمعرفتها 0 فمن قوى إيمانه بجيمع ذلك إنكف لسانه عن الغيبة لا محالة إن شاء الله تعالى0

بيان تحريم الغيبة بالقلب :

إعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسئ الظن بأخيك 0 ومعنى سوء الظن هو أن ينعقد القلب ويحكم على الغير بالسوء فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه كما ذكرنا بل الشك أيضا معفو عنه ولكن المنهي عنه هو الظن ، والظن عبارة عن ما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب، قال تعالى { يَأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) (الحجرات-12) ، وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب ، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل ، فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته ، وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك فإنما الشيطان يلقيه إليك ، فينبغي أن تكذبه فانه فسق الفساق ، قال تعالى { يَأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة }(الحجرات-6) ، فلا يجوز تصديق إبليس وإن وجدت علامات تدل على الفساد لا يجوز التصديق أيضا فمن خرجت من فمه رائحة الخمر لا يجوز أن يحد ، فربما يكون قد تمضمض بالخمر ولم يشربها أو حمل عليه قهرا ، فهذه دلالة محتملة ولكن لا يجوز تصديقها بالقلب وإساءة الظن بالمسلم بها ، فأن خطر لك وسواس سوء الظن فينبغي أن تدفعه عن نفسك وتقرر أن حاله عندك مستور وأن ما رأيته منه يحتمل الخير والشر، فكيف تعرف عقد سوء الظن ؟ علاماته أن يتغير القلب معه عما كان فتنفر عنه نفورا ما وتستثقله وتفتر عن مراعاته وتفقده وإكرامه والإغتمام بسببه 0قال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم " ثلاث في المؤمن وله منهن مخرج 0 فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه " أي لا يحققه في نفسه بعقد ولا بفعل في القلب أو في الجوارح 0 والشيطان قد يلقى على القلب بأدنى مخيلة مساءة الناس ويلقى إليه أن هذا من فطنتك وسرعة فهمك وذكائك ولكن المؤمن ينظر بنور الله تعالى ولا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسئ بالآخر ولكن يجب أن تبحث هل بينهما عداوة ومحاسدة وأن كانت الحالة حالة تعادل فلا تصدقه ولا تكذبه ولكن تقول في نفسك00 المذكور حاله كان عندي في ستر الله تعالى وكان أمره محجوبا عنى وقد بقى كما كان لم ينكشف لي شئ من أمره 0 وقد يكون الرجل ظاهره العدالة ولامحاسدة بينه وبين المذكور ولكن قد يكون من عادته التعرض للناس وذكر مساوئهم فهذا قد يظن أنه عدل ولكنه ليس بعدل ، فإن المغتاب فاسق ويجب عليك مهما خطر لك خاطر بسوء على مسلم أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير فان ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك وإذا عرفت هفوة مسلم بحجة فانصحه في السر ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه لينظر إليك بعين التعظيم وتنظر إليه بعين الإستحقار وتترفع عليه بإيذاء الوعظ وليكن قصدك تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخل عليك نقصان في دينك ، وينبغي أن يكون تركه لذلك من غير نصحك أحب إليك من تركه بالنصيحة ، فإذا فعلت ذلك جمعت بين أجر الوعظ وأجر الغم بمصيبته وأجر الإعانة له على دينه 0 ومن ثمرات سوء الظن التجسس فإن القلب لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وهو أيضا منهي عنه ،ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله فيتوصل إلى الإطلاع وهتك الستر حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه كان أسلم لقلبه ودينه 0

بيان كفارة الغيبــــة :

إعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله تعالى 0 ثم يستحل الشخص الذي اغتابه فيخرج من ظلمته وينبغي أن يستحله وهو حزين متأسف نادم على ما فعله من باطنه حتى لا يكون مرائي يظهر في نفسه الورع فيرتكب معصية أخرى 0 قال رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم " من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحلها منه من قبل أن يأتى يوم ليس هناك دينار ولا درهم إنما يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته " ، أى أنه لابد من الإستحلال إن قدر عليه فإن كان غائبا أو ميتا فينبغي أن يكثر له الإستغفار والدعاء ، وأن يكثر من الحسنات ، وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه ، قال تعالى { خذ العفـــو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } (الأعراف-199) فقال النبي صلّىاللّه عليه وسلّم : يا جبريل 0 ما هذا العفو ؟ فقال إن الله تعالى يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطى من حرمك " 0 وروى عن الحسن أن رجلا قال له : إن فلانا قد اغتابك فبعث إليه رطبا على طبق وقال : قد بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام .

معذرة *** الموضوع طويل *** ولكنه في منتهى الأهمية