آفات اللسان لسهيرة غازي

عدد المساهمات : 425 تاريخ التسجيل : 21/12/2009

كتاب آفــــات اللســـان

إن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك " ، وقال صلى الله عليه وسلم " إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء كلها تذكر اللسان أى تقول له اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ومعنى ذلك أن الصمت والسكوت خيرا ووقاية . والآفات كثيرة وهى سهلة على اللسان ولها حلاوة ولذة في القلب وعليها بواعث من الشيطان والطبع ولذلك فان في الصمت سلامة من كل هذا ، بالإضافة إلى أن الصمت أيضا يؤدى إلى الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة 0 قال تعالى : " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " وسنتكلم عن آفات اللسان الآن ونبدأ بأخفها ونتدرج إلى أغلظها ، وهم عشرون آفة 0

الآفـة الأولى : الكلام فيما لا يعنيك :

إن أحسن الأحوال أن يتكلم المرء فيما هو مباح ولا ضرر فيه عليه ولا على أى مسلم آخر 0 فإذا تكلمت بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه فانك بذلك ستكون مضيع لزمانك ومحاسب على عمل لسانك وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ولو أنك صرفت زمن الكلام هذا في الفكر ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه ، ولو سبحت الله وهللت لكان خيرا لك 00 فإن المرء لو اشتغل بمباح لا يعنيه فإنه وإن لم يأثم يكون قد خسرخيرا كثيرا ، فالمؤمن لا يكون صمته إلا فكرا ، ونظره إلا عبرة ، ونطقه إلا ذكرا ، كما قال رسولنا عليه الصلاة والسلام " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة 0 فدخل عبد الله بن سلام 0 فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله فأخبروه بذلك وقالوا أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به فقال :إني لضعيف وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر وترك مالا يعنيني 0 وقال أبو زر : قال لي رسول الله صلّىاللّه عليه وسلّم " ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان ، قلت بلى يا رسول الله، قال الصمت ، وحسن الخلق ، وترك مالا يعنيك " ، وقال عمر رضى الله عنه 0 لا تتعرض لما لا يعنيك ، واعتزل عدوك واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ، ولا أمين ألا من خشي الله تعالى ، ولاتصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى 0

وحد الكلام فيما لا يعنيكهو أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال 0 ومثــــال ذلك أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم ، فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر وإذا بلغت في الجهاد حتى لا يمتزج بحكايتك زيادة أو نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى ، فأنت مع ذلك كله مضيع لزمانك وأنى لك أن تسلم من هذه الآفات !وكذلك أنت لو سألت غيرك عما لا يعنيك فأنت بالسؤال هذا مضيع وقتك وكذلك وقت صاحبك إذا جاوبك وهذا أقل شئ ممكن ، فكيف إذا تطرق إلى السؤال أو الإجابة آفة00 وأكثر الأسئلة فيها آفات ، فمثلا لو سألت غيرك عن عبادته وقلت له: هل أنت صائم ؟ فان قال لك نعم كان مظهرا لعبادته فيدخل عليه الرياء ، وإن لم يدخل عليه الرياء سقطت عبادته من ديوان السر وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات، وإن قال لك لا كان كاذبا ، وإن سكت كان مستحقرا لك وتأذيت به ، وان احتال لمدافعة الجواب إفتقر إلى جهد وتعب فيه فقد عرضته بسؤالك هذا إما للرياء أو الكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع وكذلك يكون سؤالك عن سائر عبادته وكذلك سؤالك عن المعاصي وعن كل ما يخفيه ويستحي منه 0 وكذلك سؤالك عما تحدث به إلى غيرك 0 وأما سبب الكلام فيما لا يعنى هو حب معرفة مالا حاجة إليه أو المباسطة بالكلام على سبيل التودد أو تسلية الأوقات بحكايات لا فائدة فيها

وعلاج ذلك كله أن يعلم أن الموت بين يديه وأنه مسئول عن كل كلمة وأن أنفاسه هي رأس ماله وأن لسانه شبكة يستطيع أن يقتنص بها الحور العين في الجنة وإهماله صيانة هذه الشبكة خسران عظيم 00 هذا هو العلاج من حيث العلم00 وأما من حيث العمل فبالعزلة وأن يلزم نفسه السكوت عن بعض ما يعنيه حتى يتعود اللسان ترك مالا يعنيه 0

(من كتاب الغزالي )