الهجرة النبوية

عدد المساهمات : 52 تاريخ التسجيل : 09/12/2009

الأنوار المحمدية في الهجرة النبوية

بعد ثلاث عشرة سنة من مبعث النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وسلم , قضاهن في الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى , كان الأمر الإلهي بالهجرة إلى المدينة المنورة بنور الهدي المحمدي , واستجاب خير الخلق لأمر ربه وخرج يرافقه صاحبه الصدّيق في هذه الرحلة المباركة التي كانت حدثًا تاريخيًا مهمًا وتحولاً كبيراً في مسار هذه الدعوة الحقة , وأظهر الله تبارك وتعالى في هذا الحدث من المعجزات ما ثبَّتَ به قلوب المؤمنين الصادقين , وكان سببًا وعاملاً عظيمًا في هداية أناس وإنقاذهم من الضلالة والشرك إلى الهداية والنور والسعادة الأبدية .

وتستوقفنا في هذه الهجرة المباركة إحدى المعجزات النبوية وهي التي شهدها أحد القفَّائين من كنانة هو سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي , وذلك لما أوى النبيّ المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق إلى غار ثور متواريين عن أنظار رجال قريش الذين خرجوا يريدون قتلهما , ففي أثناء ذلك يلتقي أبو سفيان سراقةَ فيعرض عليه مائة من الإبل لقاء أن يرد النبيّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى قريش , بعد أن أُذِّنَ بين مشركي قريش أن من يأتي بمحمد له مائة من الإبل , فعقد سراقة النية على أن يستأثر وحده بالغنيمة وخرج يطلب النبيّ الأمين وصاحبه الصديق , غير ملتفت إلى الأزلام الثلاثة التي استقسمها وكان حظه منها في المرة الأولى أن (لا تخرج) , وكذلك كان حظه في الثانية والثالثة .
وإذا كان السَحَر امتطى صهوة جواده وسلك طريق المدينة وبقي يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصدّيق , حتى إذا زالت الشمس وحميت الظهيرة فقد الكثير من الأمل في وجدانهما , وتوجه نحو غار ثور حيث يتحاور الحبيبان , فيقول الصدّيق وهو يبكي : (يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا) , فيقول النبيّ عليه الصلاة والسلام : (ما يبكيك يا أبا بكر) , قال : (ما-والله-على نفسي أبكي ولكن أبكي خوفًا عليك) .
وفي هذه الأثناء يقترب سراقة وهو يسمع قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه يكثر من الالتفات يمنة ويسرة خوفًا من عدو يريد بصاحبه وحبيبه شرًا , فيرى سراقة قد أدركهما ويُعْلِمُ النبيّ بذلك فيدعو النبيّ صلى الله عليه وسلم قائلاً : (اللهم اكفناه بما شئت) . وهنا تظهر إحدى معجزاته فتسوخ قوائم فرس سراقة في الأرض فيثب عنه خائفًا وقد علم أن لمطلوبه شأنًا عظيمًا عند ربه , فيناديه ويسأله أن يدعو الله له قائلاً : (ادع الله أن ينجيَني مما أنا فيه , فوالله لأُعميَنَّ على من ورائي من الطلب) , فيدعو خيرُ الخلق صلى الله عليه وسلم ربَّه فينقذ الله فرس سراقة , ويقترب متفكراً فيما حدث له , ويخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبار ما تريد بهما قريش من الأذى .
وهنا يخاطبه الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام يظهر أنه صلى الله عليه وسلم ـ لا ريب ـ لا ينطق عن الهوى , مصداقهُ قول الله تعالى في كتابه : (إن هو إلا وحي يوحى) فيقول له : (كيف بك يا سراقة إذا لبست سِوارَيْ كسرى) .
يمضي سراقة إلى قريش فيجد الناس يلتمسون رسول الله عليه وسلم فيقول لهم : (ارجعوا , فقد استبرأت لكم ما ههنا وقد عرفتم بصري بالأثر) فرجعوا .

من هو سراقة ؟

هو سراقة بن مالك بن جَعْشَم الكناني من بني مُدْلج ، وكنيته أبو سفيان , أخو كعب بن مالك الصحابي الشاعر المشهور . أخرجه أبو سفيان ليقتفي أثره ويرده إلى قريش , ولم يُسلْم إلا بعد الطائف سنة ثمان للهجرة .
وسراقة صحابي له شعر , وهو رجل قَفَّاءٌ . وقد اشتهر بالقيافة من قريش كنانة واختص بها بنو مُدْلج .

هزيمة كسرى

توفي الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة ثلاث عشرة للهجرة , فبويع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من بعده , فملأ البلاد أمنًا وعدلاً وكثرت في عهده الفتوحات فنفر المجاهدون شرقًا وغربًا , إلى أن حلت سنة 16 للهجرة , وهي السنة التي دخل فيها سعد بن أبي وقاص قائداً مجاهداً (المدائن) التي فيها إيوان كسرى , فبعد أن وصل إلى نهر دجْلة طلب السفن ليعبر بالمجاهدين إلى المدائن القصوى فلم يجد طلبه , فأبى وتردد , ودجلة كثير المَدِّ , فرأى في الرؤيا أن خيول المسلمين عبرت دجلة وفتحت المدائن , فعزم لتأويل الرؤيا وجمع المسلمين وحثهم على القتل واقتحم بهم النهر , فلما رءاهم الفرس اقتحموا دجلة وكانت الوقيعة فيهم وأُثْخِنَ العدو قتلاً وغرقاً وجراحاً , فتتابع المسلمون حتى عبروا جميعًا النهر ووصلوا إلى مدائن كسرى حيث إيوانه , فطافوا في شوارعها لا يلقون أحدًا يخشونه إلا أناسًا تحصنوا في البيت الأبيض , فحاصرهم جيش المسلمين وعرضوا عليهم الجزية فرضوا بذلك .
ولما دخل سعد بن أبي وقاص الإيوان صلى فيه صلاة الفتح وجعله مصلى ونصب فيه منبرًا فأُقيمت الصلوات فيه وصلاة الجمعة والعيد , وأمر بجمع ما في القصر والإيوان من الأموال والجواهر والذهب .
وكان أهل المدائن قد نهبوها عند الهزيمة وهربوا فما أفلت منهم أحد بشىء إلا أدركهم المسلمون وأخذوا ما معهم , وكان من جملة ذلك بغل وتركه أحد الفرس في النهر , فأخذه المسلمون فإذا فيه حلية كسرى ووشاحه ودرعه التي فيها الجوهر , ولحق أحد المسلمين رجلين معهما بغلان فقتلهما وأخذ البغلين , فإذا فيهما جواهر وحلي كثيرة بينها تاج كسرى . وكان مما جُمِعَ ستة عشر سيفًا وأدراعًا بينها درع كسرى ودرع هرقل ودرع خاقان ملك الفرس ودرع داهر ملك الهند ودرع بهرام والنعمان وغيرهم .
وكان مما أُرسل إلى الخليفة عمر رضي الله عنه من غنائم الحرب سوارا كسرى ليتحقق بهما كلام قاله النبيّ الصدوق لسراقة الكناني منذ ست عشرة سنة خلت .
وعلى الجانب الآخر من دجلة على بعد ءالاف الأميال يبعث الفاروق رضي الله عنه رسولاً إلى سراقة يدعوه أن أجب أمير المؤمنين , فإذا بعمر وقد لقيه سراقة يحمل بين يديه سوارين ويقول له : (أتذكر خبر الغار وسواري كسرى؟) فأجاب أن نعم , فألبسه إياهما وقال له : (قل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك , أعرابيًا من بني مُدْلج) .

كل عام وأنتم بألف خير
رد مع اقتباس

» الهجرة المباركة دروس وعبر
» من الآداب النبوية الشريفة
» اعجاز علمي من السنه النبوية