ملآى السنابل تنحنى بتواضع ...والفارغات رؤسهن شوامخ !!!!!!

كان الغلام يسير بسعادة فى حقول القمح الغنّاء، فرحاً بالسنابل العالية بالنسبة لقامته القصيرة. فجذبه المشهد واستفز حماسه ليقفز عالياً ويقطف أحد هذه السنابل.
انطلق الطفل الصغير بالسنبلة إلى أبيه وهو فرح مسرور، ونفسه تحدثه بأنها ربما تحمل الكثير من القمح، وأعرب عن هذا لأبيه وهو يعطيه سنبلة القمح.
فابتسم الأب بشفقة، وأمسك بالسنبلة، وفتحها لولده، ليفاجأ الصغير بأن السنبلة فارغة .. كانت مفاجأة اتسعت لها عيناه الصغيرتان وهي تحدق فى السنبلة، ثم لم تلبث أن ارتفعت إلى وجه الآب الباسم، ليرد على تساؤله قائلاً هذا البيت الحكيم:-
“ملأى السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ”
يقول الحكيم الصيني القديم (كونفشيوس):-
“الوعاء الفارغ يصدر صوتاً أعلى من الوعاء الممتلىء”
ويقول مثل صيني آخر متهكماً ومؤكداً على نفس المعنى:-
“اخبط رأسك فى قلة، وإذا سمعت صوتاً أجوف .. فلا يعني هذا بالضرورة أن القلة هي الفارغة”
يقول العلامة (ابن القيم) متحدثاً عن درجات العلم:-
“العلم ثلاثة أشبار، أما الشبر الأول فهو شبر الجهل، فلا يكون لديك علم وتظن أنك أعلم العلماء. وأما الشبر الثاني فهو شبر الكبر، وهو حينما تتمكن من العلم ويتمكن منك العلم بالكبر وتظن أنك بلغت شأناً، وأما الشبر الثالث فهو شبر العالم الرباني الذى يعرف حدود علمه وكيف يعمل به” منقول بتصرف.
انتشر فى حياتنا الكثير من الأوعية الفارغة، والتي لها أبواق مرتفعة فلا تسمع منها إلا الغث والرديء من الأقوال، وما يصادقه من أفعال، إن كانت هناك أفعال.
واختلف مفهوم الكبر عند الكثير من الناس، وظنوا أنهم أعلم العلماء، والناس جُهّلٌ، وأمسيت ترى الفرد منهم مصعراً خده، وكأنه أعلم العلماء وجهبز الجهابزة، وهو أجهل من بعوضة.
وترى الشافعي يقول منشداً عن نفسه:-
أحب الصالحين ولست منهم
لعلني أنل بهم الشفاعة
وأكره من تجارته المعاصي
وإن كنا سواءاً فى البضاعة
ولكن مستمعيه لم يكونوا غافلين، صما وعمياً، فيرد عليه أحد محبيه منشداً على نفس القافية:-
تحب الصالحين وأنت منهم
لعلهم ينلُ بك الشفاعة
وتكره من تجارته المعاصي
حماك الله من تلك البضاعة
الأمر يحتاج منك إلى إعادة تقييم فى خلق التواضع حتى لا تسقط في مثل هذا الشرك، الذي يغفل عنه الكثير من الناس.
وأنا شخصياً رأيت أحد الأشخاص الذي تعرض لهذا المرض – والعياذ بالله – فتسبب فى توتر حياته بالكلية من سيء لأسوأ، ولا علاج له إلا بالعودة إلى الله والتواضع فى نفسه، ولكنه وياللعجب، متواضع أمام الناس، متكبر فى نفسه.
فيتصنع التواضع بين الناس وهو فى داخله يرى نفسه أفضل منهم جميعاً ويستحق ما هو أفضل وأكرم وأعلى .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.