التحكم في التعليمية بالنسبة للمعلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الأكرمين … ثـم أمـا بعـــد :ـ
إن المعلم القدير هو الذي يشعر بمدى أهمية عمله وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه ، ويكون مقتنعاً بعمله مخلصاً فيه متحمساً في أدائه متفنناً في إتقانه مما يجعل الطلبة يقدرونه ويثقون به يهتمون بدرسه ويقبلون عليه وكلهم آذان صاغية وقلوب متفتحة وينقادون له طائعين مختارين لشعورهم بأنه أب مرب ومعلم في نفس الوقت .
أن المعلم المتحمس لمهنته الشاعر بمدى خطورتها وأهميتها والذي يعرف مدى عظم الدور الذي يقوم به والأثر الذي يمكن أن يتركه في نفوس طلبته ،لا يكتفي بأن يتفانى في أداء عمله بإخلاص ،وإنما يسعى بخطى حثيثة إلى تطوير كفاءاته ،والرفع من مستوى أدائه ،مما يجعله يكبر في أعين طلبته فيقبلون على ما يقوله بشغف ونهم ،كما أنهم ينضبطون في أماكنهم عن رغبة وطواعية .
أخي المعلم :
أن الدرس الناجح لا يمكن أن يتم إلا في صف منضبط فالمعلم القدير هو الذي يستطيع أن يدفع الطلبة للانضباط بدافع ذاتي نابع من رغبتهم الشخصية في التعلم ،حتى يكونوا له أطوع من إحساسه ،وأقرب لمراده من رجع أنفاسه ،وهناك ضرورة لمزج الحزم باللين في معاملة الطلاب فيكون حزما من غير عنف وليناً من غير ضعف، كما يجب على المعلم عدم البدء في الدرس قبل أن يسود النظام والهدوء داخل الصف ،لأنه لا يمكن أن يتم أي شئ أثناء الفوضى واضطراب النظام فالهدوء والنظام أولا حتى يضمن المعلم انتباه الطلاب لما سيقوله وسيادة النظام لا تكون عن طريق القسوة والشدة ولا عن طريق الإغراء بالمكافأة وإنما بجعل الانتباه نابعاً من رغبة الطلاب أنفسهم .
فضبط الصف والمحافظة على النظام عملية تتطلب من المعلم الكثير من الحنكة والسياسة واللباقة ، فمن الطلبة من لا يكلف المعلم أدنى جهد في الانضباط ، وبعضهم تكفيه النظرة العابسة ويرتجف لها قلبه والبعض الآخر تكفيه الإشارة ،والبعض الآخر لا يتعظ إلا بالعبارة والتأنيب والتوبيخ ، والبعض الآخر يكفيه التهديد والوعيد ، والبعض الآخر لا يفلح معه إلا الطرد والحرمان من الدرس .
إن ضبط الصف أمر مهم وعلى المعلم عدم السماح للطلبة بالمشاغبة في الصف والسعي إلى إيقاف الطلبة المشاغبين الذين يسعون لإشاعة الفوضى والاضطراب وإخلال النظام في الصف عند حدهم حتى لا يفسدوا عليه الجو الدراسي ،وحتى لا يضيعوا وقته ووقت الطلبة الآخرين ،لأن الفوضى والاضطراب أكبر عائق للتعليم والتعلم .
1 ــ العوامل المؤثرة على ضبط الصف :
يتأثر الضبط بعوامل كثيرة متنوعة يعود بعضها إلى شخصية المعلم وتكوينه الخلقي وما وهبه الله سبحانه وتعالى له من قدرات واستعدادات ومؤهلات طبيعية ، كما يعود بعضها إلى التدريبات والمهارات التي مر بها المعلم لصقل تلك الاستعدادات الفطرية حتى أصبحت مهارات خاصة يمتلكها ويوجهها حسب الحاجة ، وحسب مقتضى الحال . أما النوع الثاني من العوامل المؤثرة على الضبط فهي عوامل خارجية لا تتعلق بالمعلم ومؤهلاته الفطرية ولا تتعلق بإعداده وتدريبه وإنما هي مؤثرات موجودة في الموقف التعليمي وتنبع منه وتتأثر به وتؤثر في الضبط .
وسيتم تفصيل العوامل المؤثرة على الضبط فيما يلي :ـ
أولاً : العوامل الذاتية :ـ
وهي العوامل المتعلقة بالمعلم وقوة شخصيته ومدى ثقته بنفسه . وتعتبر الشخصية القوية من أهم المميزات التي تميز المعلم القدير . والشخصية هي نتاج تفاعل سمات بعضها فطري وراثي والبعض الآخر مكتسب من البيئة . وبذلك يتميز شخص ما عن غيره بسبب الاختلاف في تلك الصفات ومن ذلك : الذكاء واللباقة والكياسة واستقلال الفكر والنظرة الثاقبة ، والتفكير اللماح ، والاتصاف بالحزم والقدرة على التأثير والتوجيه ، والحدس الجيد والاستبصار السابق للمشكلات والعقبات ، وكيفية التعامل مع المواقف المختلفة ، والحلم والأناة والتروي والصبر والتحمل وضبط النفس ، والرفق والرحمة والشفقة والعطف والمحبة ، والعفو والتسامح والإحسان ، والليونة والمرونة والتوسط في الأمور ، والمداراة والتغاضي والتغابي والتغافل عن سفاسف الأمور ، والأمانة والديانة والصدق والتقوى وحسن الخلق ، والتحمس للمهنة وإخلاص النية والإخلاص في العمل واستشعار المسئولية ، والسمعة الطيبة والعدالة والنزاهة والحياد والموضوعية ، والتواضع والخضوع لله والخوف منه والخشوع له ، والقدرة الخطابية والمهارة في الحديث والطلاقة في التعبير ، وقوة الصوت ووضوح النطق والمهارة في استخدام طبقات الصوت ونبراته ونغماته ، والتفاعل مع المعاني والمشاعر والأحاسيس المختلفة ، ومناسبة سرعة الأداء وتنوع طبقات الصوت واختلاف سرعته ، ونظرات عيون المعلم وحدتها ، والقدرة على التفرس في وجوه الطلبة وقراءة أفكارهم ، وحضور البديهة وسرعة التفكير ، والثقة في النفس وعدم التردد ، والقدرة على التعامل مع المواقف الطارئة ، والقدرة القيادية وقوة الجاذبية ، والقدرة على الإيحاء والهيمنة والتأثير في السامعين ، والقدرة على تشويق الطلبة وإثارة اهتمـامهم واستقطــاب انتباههم ، والقدرة على إدارة الصــف وضبطـه
وتسيير أموره ، والقدرة على التعامل مع مختلف أنماط الفروق الفردية ، والحزم والحذر والتوقي من الشر ، فإن كثيراً من الأمور لا يمكن التحرز منها إلا بعلمها وعلم ما يضادها " وقد قيل :

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه "
ويصفه الغزالي بقوله : ( … يظهر أثر الخشية على هيئته وكسوته وسيرته وحركته وسكونه ، لا ينظر إليه ناظر إلا وكان نظره مذكراً لله تعالى وكانت صورته دليلاً على عمله ) . أما الشعور بالخوف أو الشعور بالنقص أو الشعور بالهيبة من الموقف فإنها تظهر على سلوك المعلم وكلامه وتدريسه مما يدعو ضعاف النفوس من الطلبة ، إلى استغلال ذلك والخروج على الدرس والجرأة على المعلم إن الثقة بالنفس من الدعائم التي يعتمد عليها أي عمل جيد . ومهنة التعليم مهنة تعتمد على قوة شخصية المعلم وثقته في نفسه أولاً وأخيراً .
ثانياً : العوامل الخارجية :ـ
وهي العوامل التي ترتبط بالمؤثرات الموجودة في الموقف التعليمي ، والتي لا دخل لها بشخصية المعلم ولا بإعداده العلمي والتربوي . ولذلك قد نجد معلم ما في فصل معين وهو يؤدي دوره بإتقان وبراعة في فصل منضبط متفاعل ، بينما نجده هو ذاته في فصل آخر وقد فلت الزمام من يده وشاعت الفوضى وضاع الدرس .
ومن العوامل الخارجية المؤثرة ضبط الفصل :ـ
1ـ سعة حجم الصف .
2ـ ازدحام الطلبة في الصف ، من عدمه .
3ـ نوعية الكراسي وقابليتها للتحرك ، من عدمه .
4ـ وجود ممرات كافية بين صفوف الماصات أو عدمها .
5ـ الجو الحار جداً ، أو البارد جداً .
6ـ حجم السبورة .
7ـ مناسبة المساحة التي يتحرك فيها المعلم .
8ـ التهوية الجيدة أو عدمها .
9ـ الإضاءة الجيدة أو عدمها .
10ـ الطقس السائد كوجود غيوم أو أمطار أو غبار أو رياح قوية .
11ـ مناسبة توزيع الطلبة على الصف بحسب أحجامهم وأطوالهم